Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Présentation

  • : aqida sahiha العقيدة الصحيحة
  • : أهل الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح la voie des gens du livre(coran) et de la sounna selon la comprehension des pieux prédécésseurs
  • Contact

Rechercher

Archives

Pages

Liens

16 janvier 2013 3 16 /01 /janvier /2013 20:53

إياك نعبد و إياك نستعين
(نخصك بالعبادة و الدعاء و الاستعانة وحدك)

1. ذكر علماء العربية أن الله تعالة قدم المفعول به "إياك" على الفعل "نعبد و نستعين" ليخص العبادة و الاستعانة به وحده، و يحصرها فيه دون سواه.

2. إن هذه الآية التي يكررها المسلم عشرات المرات في الصلاة و خارجها ، هي خلاصة سورة الفاتحة، و هي خلاصة القرآن كله.

3. إن العبادة في هذه الآية تعم العبادات كلها مثل الصلاة و النذر و الذبح و لا سيما الدعاء لقوله صلى الله عليه و سلم: "الدعاء هو العبادة". (رواه الترمذي و قال حسن صحيح).
فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لرسول و لا لولي فكذك الدعاء عبادة ، بل هو لله وحده "قل إنما أدعو ربي و لا أشرك به أحدا" (سورة الجن)

4. و قال صلى الله عليه و سلم : "دعوة ذي النون إذ دعا بها و هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنا من الظالمين" (صححه الحاكم ووافقه الذهبي)
لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.

*****

استعن بالله وحده

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إذا سألت فاسال الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله" (رواه الترمذي و قال حسن صحيح)

1. يقول الإمام النووي و الهيتمي في تفسير هذا الحديث ما خلاصته : إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا و الآخرة فاستعن بالله ، لا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها غير الله ، كشفاء المرض و طلب الرزق و الهداية، فهي مما اختص الله بها وحده ، قال تعالى: " و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو" (سورة الأنعام)

2. من أراد حجة فالقرآن يكفيه ، و من أراد مغيثا فالله يكفيه ، و من أراد واعظا فالموت يكفيه ، و من لم يكفه شيء من ذلك فإن النار تكفيه، قال تعالى :" أليس الله بكاف عبده" (سورة الزمر)

3. يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني في الفتح الرباني: "سلوا الله و لا تسألوا غيره، استعينوا بالله و لا تستعينوا بغيره ، ويحك بأيّ وجه تلقاه غدا ، و أنت تُنازعه في الدنيا ، مُعرض عنه ، مُقبل على خلقه، مُشرك به ، تُنزل حوائجك بهم. و تتكل بالمهمات عليهم. ارفعوا الوسائط بينكم و بين الله ، فإن وقوفكم معها هَوَس، لا مُلك و لا سُلطان و لا غِنى و لا عزّ إلا للحق عز و جل . كن مع الحق بلا خَلْق " (أي كن مع الله بدعائه بلا واسطة من خلقه).

4. الاستعانة المشروعة : أ تستعين بالله على حل مشاكلك و الاستعانة الشركية : أن تستعين بغير الله كالأنبياء و الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين ، فهم لا يملكون نفعا و لا ضرا و لا يسمعون الدعاء و لو سمعوا ما استجابوا لنا كما حكى القرآن عنهم ذلك.
أما الاستعانة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه من بناء مسجد أو أخذ مساعدة مالية و غير ذلك ، فهي جائزة لقول الله تعالى : "و تعاونوا على البر و التقوى" (سورة المائدة)
و قوله صلى الله عليه و سلم : "و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم)
و من أمثلة الاستعانة الجائزة من الأحياء قول الله تعالى : "فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه" (سورة القصص)
و قول الله تعالى في طلب ذي القرنين: "فاعينوني بقوة" (سورة الكهف)

Partager cet article
Repost0
16 janvier 2013 3 16 /01 /janvier /2013 20:49

معنى محمد رسول الله

الإيمان بأنه مرسل من عند الله ، فنصدقه فيها أخبر، و نطيعه فيما أمر، و نترك ما نهى عنه و زجر، و نعبد الله بما شرع.

1. يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتاب النبوة ما نصه : الأنبياء عليهم السلام كان أول دعوتهم و أكبر هدفهم في كل زمان و في كل بيئة، هو تصحيح العقيدة في الله تعالى، و تصحيح الصلة بين العبد و ربه و الدعوة إلى إخلاص الدين لله، و إفراد العبادة لله وحده ، و أنه النافع الضار، المستحق للعبادة و الدعاء و الالتجاء و النسك (الذبح) له وحده، و كانت حملتهم مركزة موجهة إلى الوثنية في عصورهم ، الممثلة بصورة واضحة في عبادة الأوثان و الأصنام ، و الصالحين المقدسين من الأحياء و الأموات.

2. و هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له ربه: "قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله ، و لو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، و ما مسّني السوء، إنْ أنا إلا نذيرٌ و بشيرٌ لقوم يُؤمنون" (سورة الأعراف)
و قال صلى الله عليه و سلم :" لا تُطروني كما أطرَتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبدٌ فقولواعبد الله و رسوله" (رواه البخاري)
و الإطراء هو الزيادة و المبالغة في المدح ، فلا ندعوه من دون الله كما فعلت النصارى في عيسى ابن مريم ، فوقعوا في الشرك ، و علمنا أن نقول "محمد عبد الله و رسوله".

3. إن محبة الرسول صلى الله عليه و سلم تكون بطاعته في دعاء الله وحده و عدم دعاء غيره و لو كان رسولا أو وليا مقربا.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إذا سألت فاسألِ الله ، و إذا استعنت فاستعنْ بالله" (رواه الترمذي و قال حسن صحيح)
و كان صلى الله عليه و سلم إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ قال: "يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث" (حسن رواه الترمذي)
و رحم الله الشاعر حين قال :
الله أسأل أن يفرج كربَا فالكرب لا يمحوه إلا الله


Partager cet article
Repost0
16 janvier 2013 3 16 /01 /janvier /2013 20:45

معنى لا إله إلا الله
(لا معبود بحق إلا الله)

فيها نفي الإلهية عن غير الله ، و إثباتها لله وحده.

1. قال الله تعالى : "فاعلم أنه لا إله إلا الله " (سورة محمد)
فالعلم بمعناها واجب و مقدم على سائر أركان الإسلام.

2. و قال صلى الله عليه و سلم : " من قال لا إله إلا الله مُخلِصا دخل الجنة" (صحيح رواه أحمد)
و المخلص هو الذي يفهمها و يعمل بها و يدعو إليها قبل غيرها ، لأن فيها التوحيد الذي خلق الله العالم لأجله.

3. و قال رسول الله صلى الله عله و سلم لعمه أبي طالب حين حضره الموت : (( "يا عم قل لا إله إلا الله ، كلمة أحاجّ لك بعا عند الله "، و أبى أن يقول لا إله إلا الله )) (رواه البخاري و مسلم).

4. بقي الرسول صلى الله عليه و سلم في مكة ثلاثة عشر عاما، يدعو العرب قائلا : قولوا لا إله إلا الله ، فقالوا إلها واحدا ! ما سمعنا بهذا ؟
لأن العرب فهموا معناها ، و أن من قالها لا يدعو غير الله ، فتركوها و لم يقولوها ، قال الله تعالى عنهم : " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، و يقولون إئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ؟ بل جاء بالحق و صدّق المرسلين" (سورة الصافات).
و قال صلى الله عليه و سلم : "من قال لا إله إلا الله و كفر بما يُعبد من دون الله ، حرُم ماله و دمهُ " ( رواه مسلم)
و معنى الحديث أن التلفظ بالشهادة يستلزم أن يكفر و يُنكر كل عبادة لغير الله ، كدعاء الأموات و غيره.
و الغريب أن بعض المسلمين يقولونها بألسنتهم ، و يخالفون معناها بأفعالهم و دعائهم لغير الله !!!

5. "لا إله إلا الله " أساس التوحيد و الإسلام ، و منهج كامل للحياة ، يتحقق بتوجيه كل أنواع العبادة لله ، و ذلك إذا خضع المسلم لله ، و دعاه وحده ، و احتكم لشرعه دون غيره.

6. قال ابن رجب : "الإله" هو الذي يطاع ولا يُعصى هيبة و إجلالا، و محبة و خوفا و رجاء ، و توكلا عليه ، و سؤالا منه ، و دعاء له ، و لا يصلح هذا كله إلا لله عز و جل ، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي خصائص الإله ، كان ذلك قدحا في إخلاصه في قوله :"لا إله إلا الله "، و كان فيه من عبودية المخلوق، بحسب ما فيه من ذلك".

7. إن كلمة "لا إله إلا الله" تنفع قائلها إذا لم ينقضها بشرك، فهي شبيهة بالوضوء الذي ينقضه الحدث.
قال صلى الله عليه و سلم : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (حسن رواه الحاكم)

*****


Partager cet article
Repost0
16 janvier 2013 3 16 /01 /janvier /2013 20:40

التوحيد و أنواعه

التوحيد هو إفراد الله بالعبادة التي خلق الله العالم لأجلها .
قال الله تعالى : "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون" (1) (سورة الذاريات)
أي يوحدوني في العبادة و يفردوني في الدعاء

(1) الآية ردّ على من يزعم أن العالم خُلق لأجل محمد صلى الله عليه و سلم.


و أنواع التوحيد الآتية مأخوذة من القرآن الكريم :
1. توحيد الرب: هو الاعتراف بأن الله هو الرب و الخالق، و قد اعترف بهذا الكفار ، و لم يدخلهم ذلك في الإسلام ، قال تعالى : "و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " (سورة الزخرف) ، و قد أنكر الشيوعيون وجود الرب فكانوا أشد كفرا من كفار الجاهلية.

2. توحيد الإله : هو توحيد الله بأنواع العبادات المشروعة ، كالدعاء و الاستعانة و الطواف و الذبح و النذر و غيرها ، و هذا النوع هو الذي حجده الكفار ، و كانت فيه الخصومة بين الأمم و رسلهم منذ نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، و قد حث القرآن الكريم في أكثر سوره عليه ، و على دعاء الله وحده ، ففي سورة الفاتحة نقرأ "إياك نعبد و إياك نستعين " و معناها نخصّك بالعادة ، فندعوك وحدك ، و لا نستعين بغيرك ، و توحيد الإله يشمل إفراده في دعائه ، و الحكم بقرآنه ، و الاحتكام إلى شرعه ، و كله داخل في قوله تعالى : "إنني أنا الله ، لا إله إلا أنا فاعبدوني"(سورة طه)

3. توحيد الأسماء و الصفات : هو الإيمان بكل بكل ما ورد في القرآن الكريم و الحديث الصحيح ، من صفات الله التي وصف بها نفسه ، أو وصف بها رسوله صلى الله عليه و سلم على الحقيقة من غير تأويل و لا تكييف و لا تفويض، كالاستواء و النزول ، و اليد و المجيء، و غيرها من الصفات ، نفسرها بما ورد عن السلف، فالاستواء مثلا ورد تفسيره عن التابعين في صحيح البخاري بأنه العلو و الارتفاع اللذان يليقان بجلاله قال الله تعالى : "ليس كمثله شيء و هو السميع البصير" (سورة الشورى)

أ. التاويل : هو صرف ظاهر الآيات و الأحاديث الصحيحة إلى معنى آخر باطل مثل استوى بمعنى استولى.
ب. التعطيل : هو جحد صفات الله و نفيها عنه كعلوّ الله على السماء فقد زعمت الفرق الضالة أن الله في كل مكان .
جـ. التكييف : هو تكييف صفات الله ، و أن كيفيتها كذا فعلوّ الله على العرش لا يشبه مخلوقاته و لا يعلم كيفيته أحد إلا الله .
د . التمثيل : هو تمثيل صفات الله بصفات خلقه ، فلا يقال : ينزل الله إلى السماء كنزولنا ، و حديث النزول رواه مسلم.
و من الكذب نسبة هذا التشبيه إلى شيخ الاسلام ابن تيمية ، إذ لم نجده في كتبه بل وجدنا نفيه للتمثيل و التشبيه.
هـ . التفويض : عند السلف في الكيف لا في المعنى ، فالاستواء مثلا معناه العلو الذي لا يعلم كيفيته إلا الله.


Partager cet article
Repost0
11 janvier 2013 5 11 /01 /janvier /2013 22:17

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (والعلم بالله يراد به في الأصل نوعان:

أحدهما: العلم به نفسه، أي بما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام، ومادلت عليه أسماؤه الحسنى.

 

وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله لامحالة، فإنه لابد أن يعلم أن الله يثيب على طاعته، ويعاقب على معصيته...

 

والنوع الثاني: يراد بالعلم بالله: العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي، والحلال والحرام...).

 

وقال رحمه الله، في كلام بديع عن معرفة الله عز وجل: (وهو - بحق – أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر...).

 

وقال رحمه الله وكأنه يحكي عن حاله: (إن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لايمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به... وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه، ولاتمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه).

 

وقال رحمه الله: (والعبد كماله في أن يعرف الله فيحبه، ثم في الآخرة يراه ويلتذ بالنظر إليه).

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله (ولا ريب أن أجل معلوم وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إليه إلا هو رب العالمين، وقيوم السموات والأرضين، الملك الحق المبين، الموصوف بالكمال كله، المنزه عن كل عيب ونقص...).

 

وقال رحمه الله في موضع آخر: (فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا، فإن العلم من أفضل العبادات).

 

وقال أيضا في موضوع آخر: (فالعلم بالله أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وماتزكو به وتفلح، فالعلم به سعادة العبد، والجهل به أصل شقاوته).

 

وتكلم بكلام نوراني – كعادته - فقال رحمه الله: (لا سعادة للعباد ولا صلاح لهم، ولا نعيم إلا بأن يعرفوا ربهم ويكون وحده غاية مطلوبهم، والتعرف إليه قرة عيونهم، ومتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالا من الأنعام، وكانت الأنعام أطيب عيشا منهم في العاجل وأسلم عاقبة في الآجل).

 

بل لله دره عندما قال رحمه الله – وتأمل - : (والفرح والسرور، وطيب العيش والنعيم، إنما هو في معرفة الله وتوحيده، والأنس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمة عليه، فإن أنكد العيش: عيش من قلبه مشتت، وهمه مفرق عن ذلك... فالعيش الطيب، والحياة النافعة، وقرة العين: في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن، ولم يطمئن، ولم تقر عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه، الذي ليس من دونه ولي ولا شفيع، ولاغنى له عنه طرفة عين).

 

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: (أفضل العلم : العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، التي توجب لصاحبها مغفرة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه التوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه).

 

قال الإمام السعدي رحمه الله: (وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق إلى ذلك: تدبر صفاته وأسمائه من القرآن).

 

بعد هذه النقولات التي تبين أهمية معرفة الله عز وجل واللذة والثمرة التي يجدها المرء في ذلك، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: كيف نتعرف على الله عز وجل:

 

وهو سؤال كبير، ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل خصوصا في ظل هذا البحر المتلاطم من الفتن، ولعل الأصول الثلاثة التي يدور حلوها الجواب هي:

1- تدبر القرآن الكريم، كلام الله عز وجل الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه.

 

2- العيش مع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وتعلمها، وتأملها، وتدبر آثارها على حياتك.

 

3- كثرة العبادة وخصوصا عبادة التفكر والتقرب إلى الله عز وجل بأنواع العبادات.

 

وختام المقال كما بدأته بنقل نوراني لابن القيم رحمه الله، أختم بنقل آخر له:

قال رحمه الله: (القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته، فتارة يتجلى في صفات الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء.

 

وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء كما قيل:

 

يراد من القلب نسيانكم
وتأبى الطباع على الناقل

 

فتبقى المحبة له طبعا لا تكلفا، وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء جد في العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه بالبذر، وإذا ضعف رجاؤه قصر في البذر.

 

وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة انقمعت النفس الأمارة وبطلت، أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات، وانقبضت أعنة رعوناتها فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر.

 

وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب شرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره والتبليغ لها والتواصي بها وذكرها وتذكرها، والتصديق بالخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنهي.

 

وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم انبعث من العبد قوة الحياء فيستحي ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.

 

وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم انبعثت من العبد قوة التوكل عليه والتفويض إليه والرضا به، وما في كل ما يجريه على عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله به ويختاره له.

 

وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته والانكسار لعزته والخضوع لكبريائه وخشوع القلب والجوارح له، فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته ويذهب طيشه وقوته وحدته.

 

وجماع ذلك أنه سبحانه يتعرف إلي العبد بصفات إلهيته تارة، وبصفات ربوبيته تارة، فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه والأنس والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد إليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به والذل والخضوع والانكسار له، وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته فى إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه وعطاءه في منعه وبره، ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.

 

وأنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وأفكار المتكلفين أشهدك ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده يأمر وينهى، ويرسل الرسل وينزل الكتب ويرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل ويخفض ويرفع يرى من فوق سبع، ويسمع ويعلم السر والعلانية فعال لما يريد موصوف بكل كمال منزه عن كل عيب لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقه إلا بعلمه ولا يشفع زهد عنده إلا بإذنه ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع).



Partager cet article
Repost0
11 janvier 2013 5 11 /01 /janvier /2013 22:10

الحمد لله الكبير المتعال، ذي العظمة والكبرياء والجلال والجمال، له الأسماء الحُسنى والصفات العُلى والعطاء والنوال، أحمده حمد الشاكرين، وأُثْني عليه ثناء الذاكرين، لا أُحصي ثناءً عليه؛ هوكما أَثْنى على نفسه، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقَيُّوم السماوات والأرض، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد:

أيها المؤمنون، عباد الله، اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

 

ثم اعلموا - رعاكم الله - أن من مقامات الدين العظيمة ومنازله العالية الرفيعة معرفةَ الربِّ العظيم والخالق الجليل؛ بمعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إنَّ هذا - عباد الله - أساس من أُسس الدين العظيمة، وأصل من أصول الإيمان المتينة، وقوام الاعتقاد، وأصلُه وأساسُه معرفة الله - جل وعلا - بمعرفة أسمائه وصفاته، ما أعظمَه من مقام، وما أجلَّها من منزلة، وما أعلاها من رتبة حينما يعرف المخلوق خالقه وربَّه، وسيده وموجده ومولاه؛ فيتعرف على عظمته وجلاله، وجماله وكبريائه، ويتعرَّف على أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى على ضوء ما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم.

 

عباد الله:

وكتاب الله - جل وعلا - فيه آيات متكاثرة، ونصوص متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله، ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وبيان ما يترتَّب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة، والنهايات الرشيدة، والمآلات الطيبة؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُولَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، ويقول الله - جل وعلا -: ﴿ هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوعَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوالْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُواللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22-24].

 

عباد الله:

بل جاء في القرآن الكريم آيات صريحة ونصوص واضحة فيها الدعوة إلى تعلُّم الأسماء والصفات، ومعرفتها ومعرفة الله - تبارك وتعالى - بها، وفي القرآن الكريم قُرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته؛ كقوله - جل وعلا -: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209]، وقوله - تبارك وتعالى-: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 98]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، وقوله - جل وعلا -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

 

عباد الله:

إن معرفة الله - عز وجل - ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العظيمة باب شريف من العلم له الأثر البالغُ على من اعتنى به وفَهمه؛ يقول - صلى الله عليه وسلم - كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، مَنْ أحصاها، دخل الجنة)).

 

تأمل - رعاك الله - هذا الأثر العظيم والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله، فإن مآله - بإذن الله - إلى دخول الجنة، وليس المراد - عباد الله - بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط دون علم بمعرفة معانيها ودلالاتها، ودون قيام بمقتضياتها وموجباتها، بل المطلوب في الإحصاء - عباد الله - العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفَهْمها، والقيام بما تقتضيه، فهي ثلاثة مراتب؛ المرتبة الأولى حفظها، والمرتبة الثانية فَهْم معانيها، والمرتبة الثالثة القيام بالعبوديات المختصة بها.

 

ومعنى ذلك - عباد الله - أنَّه ما من اسم من أسماء الله - جل وعلا - إلا وله عبودية مختصة به، وهي من موجبات العلم بذلك الاسم، بل إن لكثير من الأسماء عبوديات كثيرة، فما أعظم - عبادَ الله - أن يُقبل العبد على معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ولعلّنا - عباد الله - نضرب بعض الأمثلة على ذلك يتضح بها المقصود، يقول الله - جل وعلا -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

 

في هذه الآية الكريمة أخبر - جل وعلا - عن نفسه بأنه سميع بصير، وفي آيات كثيرة جاء الإخبار عنه - تبارك وتعالى - بهذين الاسمين العظيمين، فإذا عرفتَ أيُّها المؤمن أن الله - عز وجل - من أسمائه الحُسنى السميع، فعليك أن تعرف الصفة العظيمة التي دل عليها هذا الاسم العظيم، ألا وهي أن الله - عز وجل - سميع لجميع الأصوات - جل وعلا - يسمع جميع الأصوات عاليها وخافضها، لا يخفى عليه - تبارك وتعالى - منها صوت، بل إن العباد - عباد الله - لووقفوا من زمن آدم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، لووقفوا جميعُهم في صعيد واحد وسألوا الله - عز وجل - في لحظة واحدة، وكلٌّ منهم يذكر مسألةً خاصة به وبلغات مختلفة ولهجات متباينة، لسمع - عز وجل - أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوت بصوت، ولا حاجة بحاجة، ولا لغة بلغة، وانظر ذلك في قوله - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي المخرَّج في صحيح مسلم؛ حيث يقول - تعالى -: "يا عبادي، لوأن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كلَّ واحد منكم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيء"، جاءت المرأة المجادِلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؛ لتشتكي إلى الله وكانت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت عائشة - رضي الله عنها - في البيت، فتقول عائشة: كنت أسمع بعض كلامها، ويغيب عني بعضه، وما إن انتهت المجادلة من مجادلتها إلا وينزل قول الله - تعالى -: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

 

تقول عائشة - رضي الله عنها -: سبحان الذي وسع سمعُه الأصوات.

 

فإذا آمنت - أيُّها المؤمن - بأن الله - عز وجل - يسمع صوتك، يسمع كلامك، فكيف يليق بك أن تُسْمِع ربَّك - تبارك وتعالى - من الكلام ما لا يليق، ومن الأقوال ما هو باطل؟! كيف لا تنشغل بذكر الله وتلاوة آياته، وتسبيحه وحمده، والثناء عليه - تبارك وتعالى - فلا يسمع منك - جل وعلا - إلا القول السديد والكلام النافع؟! لماذا لا تحفظ الأقوال؟ ولماذا لا تضبط الكلمات؟ أليس الله - جل وعلا - يسمع كلامنا، ويرى مقامنا ويعلم بحالنا؟!

 

وإذا آمنت - أيها المؤمن - بأن الله - عز وجل - بصير، وأن من أسمائه الحُسنى البصير، فآمن بالصفة التي دل عليها هذا الاسم، وهو أن الله - عز وجل - بصير بجميع المُبْصرات؛ يرى كل شيء - سبحانه وتعالى - يرى جميع المخلوقات، وجميع الكائنات من فوق سبع سماوات، يرى - جل وعلا - مِن فوق سبع سماوات دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظُلمة الليل، بل إنه - عز وجل - يرى جريان الدم في عروقها، ويرى - جل وعلا - كل جزء من أجزائها، يرى ذلك - جل وعلا - من فوق سبع سماوات، ولو دنوت من هذه النملة على هذا الحال والوصف، لَمَا رأيتها، فما أعظم بصرَ الله - جل وعلا.

 

أيها المؤمن، إذا علمت أن الله بصير بك، ألا تستحي من الله أن يراك وأنت تعيش في نعمة الله وعطيّته ومنته، وفي ملكه - سبحانه وتعالى - ثم تبارزه بالذنوب والمعاصي، والخطايا والآثام، ألست تعلم بأن الله بصير بك يراك، ويطلع عليك ولا تخفى عليه منك خافية؟!

 

وهكذا - عباد الله - بقية أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ينبغي علينا أن نُعْنَى بها فَهْمًا وتدبُّرًا، ثم من بعد ذلك قيامًا بحقوقها وموجباتها؛ من مراقبة الله - عز وجل - وخوفه وخشيته، والإنابة إليه، والإقبال على طاعته، وقد قال بعض السلف: "من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، ولعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد"، وهذا المعنى مذكور في القرآن في قول الله - جل وعلا -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "أي العلماء بأن الله على كل شيء قدير"، فأنت إذا علمت بأسماء الله وقدرة الله، وعلمت هذا الباب العظيم، أثَّر في حياتك تأثيرًا عظيمًا، وكانت له من الفوائد والآثار والثمار اليانعة ما لا يُحصى، ولا يًعد؛ فنسأل الله - جلّ وعلا - أن يبصرنا وإياكم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفره يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود، والامتنان وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

عباد الله، اتقوا الله - تعالى - جاء في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً في سَرِيَّة، فكان يصلي بهم، فيختم قراءته بـ﴿ قل هو الله أحد ﴾، يفعل ذلك في كل ركعة من كل صلاة، فأشكل ذلك على من معه من الصحابة، فلمَّا رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوه، فقال - عليه الصلاة والسلام - اسألوه لأي شيء كان يفعل ذلك، فذهبوا إليه وسألوه، فقال: لأن فيها صفةَ الرحمن، وأنا أحب الرحمن، فعادوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أخبروه أنّ حُبَّك إياها أدخلك الجنة))، وفي رواية، قال: ((أخبروه أنَّ الله - عز وجل – أحبَّك))، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - تأمَّل - عبد الله - حبُّ أسماء الله وصفاته العلى يدخل الجنة؛ لأن هذا الحب يحرِّك في القلوب الإقبال على الله - عز وجل - والقيام بعبوديته، وتحقيقَ طاعته والبعد عن نواهيه - جل وعلا.

 

اللهم إنا نسألك حبَّك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام.

 

هذا وصلوا وسلِّموا - رعاكم الله - على إمام الهداة محمد بن عبدالله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا)).

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

 

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصّحابة أجمعين، وعن التابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدِّين يا رب العالمين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سُنَّة نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وَليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.

اللهم إنا نسألك الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا.

اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقوّاتنا وأزواجنا وذُريَّاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنَّا.

اللهم وفِّقنا لما تحب وترضى، وأعنا على البر والتقوى، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذابَ النار.

 

 

 

Partager cet article
Repost0
11 janvier 2013 5 11 /01 /janvier /2013 20:22

التوحيد يا عباد الله!

 

(محاضرة مفرغة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي)

 

إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.

﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا   `   يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ   r  ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النار.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  ` الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ `﴾ [البقرة:20-22]؛ فالله I ينادي النَّاس على مُختَلَف أجناسهم من أسود وأبيض وأحمر، وعلى اختلاف مِلَلِهِم ونِحَلِهم من مسلمين ومشركين ووثنيِّين وأهل كتاب ومنافقين وغيرهم ممن تشملهم كلمة النَّاس؛ لأنَّ رسول الله محمداً r خَاتَمَ النَّبيين أرسله الله إلى العالمين إلى النَّاس أجمعين؛ قال الله I: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سبأ : 28] وقالI: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، فالله I ينادي النَّاس جميعًا ليقوموا بالواجب العظيم الذي خَلَقَهم من أجله، وهو عبادته وإخلاص الدِّين له I، وإنَّ هذه العبادة غايةٌ عظيمة من أجلها خَلَقَ الله الجِنَّ والإنس والملائكة وسائر خلقه، وَسَخَّرَ ما في السَّموات وما في الأرض لهؤلاء المخلوقين العُقَلاَء المُكَلَّفِين؛ ليقوموا بهذه الغاية العظيمة والواجب الأصيل الكبير الذي ما خَلَقَ الله هذا الكون إلا من أجله.

وقوله I ﴿...رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أي: سَيِّدُكم وخالقكم ومُرَبِّيكم، والمنفرد بإسداء النِّعم إليكم، وإسباغِها عليكم I، فهو المُتفرِّد بكلِّ ذلك، وساق الأدلة التي تَفرِضُ عليهم وتوجب عليهم أن يعرفوا الله ويعترفوا بحقِّه فيعبدوه فقالI: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً﴾ أي: مَهَّدَها ووَطَّأَها وذلَّلها، وأرساها بالجبال، ومهَّد لهم الطرق، وجعل خلال الجبال فجاجا؛ ليعيشوا عليها ويبتغوا الرِّزق في مناكبها، وأسبغ عليهم كلَّ النعم؛ ليعبدوه على هذه الأرض .

وقوله I: ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾ المراد بالسَّماء هنا السَّحاب؛ لأنَّ السَّماء كلُّ ما سما وعلا؛ فكلمة سماء تتناول كلَّ ماعلا هذه الأرض ومن فيها؛ فالسَّحاب فوقنا فهو سماء، والسَّموات السبع نسمّيها سموات؛ لأنَّها فوقنا من السُمو وهو العلو، ونقول : الله في السَّماء أي فوق السَّموات كلِّها؛ لأنَّه فوق كلِّ شيء I.

وقولهI: ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾: من كُلّ أنواع الثِّمار المعروفة عند البشر، فالله أنزل المطر وصَبَّه على الأرض صبَّا كما قالI : ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ` أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ` ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً `فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ` وَعِنَباً وَقَضْباً `وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ` وَحَدَائِقَ غُلْباً ` وَفَاكِهَةً وَأَبّاً `مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ `﴾ [عبس:25-32] هذه الأنواع المذكورة في سورة عبس وفي غيرها من السُّوَر هي هذه الأرزاق التي أجمل ذكرها في قوله I ﴿... فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾؛ فالشاهد من الآيات أنَّ الله هو ربكم وسيِّدُكم ومالككم، وخالق السَّماء وخالق الأرض...؛ فهو الذي يستحق العبادة وحده؛ فاعرفوا هذه العبادة التي كُلِّفتم بها من كتاب الله ومن سنة رسول الله r ؛ لأنَّك إذا لم تعرف حقَّه الذي هو العبادة كيف تعبده؟! لابدَّ أن نتعلَّم العبادات التي شرعها الله U من الواجبات والمستحبات وسائر التطوعات، التي من أعظمها بعد الشهادتين الصَّلاة؛ المكتوبات الخمس وسائر التطوعات من الرواتب كالوتر، وسُنَّة الفجر التي قال فيها رسول اللهr : «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهاَ»[1] والنوافل كصلاة الضُّحى، وقيام الليل... هذه أمور كلُّها عبادات وجنسها الصَّلاة؛ لأنها ترجع إلى الصَّلاة، وسائر الذِّكر الأذكار المقيَّدة، والمطلقة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فإنَّ هذا من أعظم العبادات، قال رسول الله r: « لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لله وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاللهُ أَكْبَر أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس»[2] فاعرفوا هذه الصَّلاة، واعرفوا فضلها، وتقرَّبوا بها إلى الله خاشعين صادقين مخلصين كما قال I:﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ `الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ `إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ `فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ `وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ` وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ` أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ` الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ` ﴾ [المؤمنون:1-11]هذه الآيات أثنى فيها الله على هؤلاء المؤمنين المتصفين بتلك الصفات ووعدهم بالفلاح كما أنَّ الصَّلاة إذا نودي إليها يقال: <حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الفَلاَح> أي على النَّجاح والفوز العظيم؛ لأنَّ هذه الصَّلاة إذا أخلصنا فيها لله U ووحَّدنا الله فيها محسنين أداءها كانت من أعظم أسباب الفلاح بعد توحيد الله U.

كذلك الدُّعاء هو العبادة؛ كما جاء في الحديث[3] والقرآن؛ كما في قوله U : ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر:14] وفي قولهU : ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف:55] فتدعو الله تبارك وتعالى بصدق وجِدٍّ وإخلاص وثقة في الله U أنه يستجيب لك كما قال U: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]؛ فالدُّعاء هو العبادة، وإذا استعرضتَ الأعمال من الذِّكر والصَّلاة .. تجد أكثرها يقوم على الدُّعاء، وورد في بعض الأحاديث: « الدُّعَاءُ مُخُّ العَبَادَة»[4] واخْتَلَف العلماء في تصحيحه وتضعيفه؛ لكن الواقع كذلك؛ فالصَّلاة كم تجد فيها من الدُّعاء والذِّكر لله U، التشهد دعاء، الفاتحة فيها دعاء، في الرُّكوع دعاء، في السُّجود دعاء، بين السجدتين دعاء وهكذا...، فنتعلَّم الأدعية الشَّرعية الواردة في الكتاب والسُنَّة وندعو الله U بها في الصَّلاة وخارجها، ونخلص له الدُّعاء، ونخلص له سائر العبادات، وإخلاصها لله بألاَّ نجعل له فيها شريكًا لا الشِّرك الأكبر ولا الشِّرك الأصغر بما فيه الرياء وما شاكل ذلك، بل نيَّةٌ خالصة كما قال I: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ` ﴾ [االزمر:11-12] وقال I :﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ` أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [االزمر:2-3] وقال I: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[البينة : 5].

ومن أعظم ما وقع فيه كثيرٌ من المسلمين شرك الدُّعاء والذَّبح والنَّذر وهذه من صميم العبادات؛ فالتقرُّب إلى الله بها تقرب بأعظم العبادات، والتقرُّب إلى غيره بها من أعظم وأكبر أنواع الشِّرك بالله U؛ ولهذا يُكَفِّر الله ويُضَلِّل من يدعو غيره، هذه الحقيقة ما عرفها كثيرٌ من ضُلاَّل المسلمين من الرَّوافض وأصحاب الطُّرق الصوفية الذين يستغيثون بغير الله في الشَّدائد، ويعتقدون في الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، يعتقدون فيهم أنهم يستجيبون الدَّعوات، ويكشفون الكُرُبات، ويعلمون الغيوب ويتصرَّفون في هذا الكون؛ فيقعون في أعظم أنواع الشِّرك في الألوهية والرُّبوبية ـ والعياذ بالله ـ ويزعم لهم الشيطان أنَّ هذا هو الدِّين! وهذا هو الإسلام! وأنَّ ما خالفه ولو كان في القرآن فهو الضَّلال! تُقرَأ عليهم آيات التوحيد وآيات الإخلاص والآيات التي فيها أنَّه لا يعلم الغيب إلاَّ الله، وأنَّه لايدبِّر ولا يصرِّف أمر هذا الكون إلا الله، تلك الحقائق التي كان يعترف بها مشركو العرب كما أخبر الله I ـ عنهم ـ: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان : 25] وقالI: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس : 31]؛فهم يعترفون بأنَّ الله هو خالق هذا الكون وسيِّده ومدبِّره ومنظمه، وأنَّ هذه الآلهة لا تملك شيئًا ولا تعلم الغيب، ولا تتصرَّف في الكون، ولا في شيء منه، وإنما يعبدونها لأنها تقرِّبهم إلى الله زلفى!! فهم يعترفون بأنَّ دعوتهم عبادة، وأنَّ الذَّبح لهم عبادة، وأنَّ الاستغاثة بهم عبادة... ولكن هؤلاء الضُّلاَل من المنتسبين للإسلام لا يعترفون بأنَّ هذه الأمور من العبادات؛ فهم أكثر مغالطةً من المشركين، وأكثر تلبيسًا على عوام المسلمين من المشركين الأولين؛ لأنَّ المشركين إذا وَاجَهْتَهُم بهذه العقائد يعترفون، أمَّا هؤلاء فيجعلون مع الله شركاء في تدبير الكون من الأقطاب! والأوتاد! والغوث!...، يعقدون مؤتمرات شهرية أو سنوية ينظرون في أمر هذا الكون ويتصرَّفون فيه! وهم يسقطون الدُّول! ويولُّون الملوك! فهؤلاء إذاً خونة، يولُّون اليهود والنَّصارى ويسلطونهم على المسلمين!!، هذا من الكذب على كلِّ حال.

ومن الكفر الأكبرأن تعتقد في مخلوق أنه يعلم الغيب ويدبِّر أمر هذا الكون، واللهِ إنَّ الملائكة والرُّسل وعلى رأسهم محمَّد عَلَيْهِم الصَّلاَة وَالسَّلاَم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، بل حارَبت الرُّسل من يعتقد هذه العقائد الخبيثة وكفَّرُوهم، وجاهدوهم أشدَّ الجهاد، والصِّراع بينهم وبين أعدائهم في هذه الأمور، بل في أقلِّ من هذه الأمور التي يفتعلها الرَّوافض وغلاة الصوفية على مختلف طرقهم .

إنَّ أولئك المشركين إذا سُئلوا من خلق السَّموات والأرض فإنهم يقولون: الله؛ ولهذا تجد رسالات الرُّسل كلَّها إنما تناقش قضية العبادة لا تناقش قضايا الرُّبوبية؛ لأنهم مُسَلِّمُون بأنَّ الله هو ربُّ هذا الكون وسيِّده وخالقه ومدبِّره ومُنظِّم شؤونه I؛ فكان الخلاف بينهم وبين أممهم في قضيِّة التوحيد توحيد العبادة كما أخبر الله I عنهم: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ [النحل : 36] ما قالت الرُّسل لأقوامهم: لا تقولوا لا خالق إلا الله لا رازق إلا الله لا مدبر إلا الله إذ هم مقرُّون به ولم يخطر ببالهم غيره، وإنما دسَّ الزنادقة الملاحدة في صفوف الرَّوافض والصوفية هذه العقائد الخبيثة التي ما كان يعتقدها الوثنيون على امتداد التأريخ الإنساني ـ والعياذ بالله ـ ، زنادقة اليهود والباطنية هم الذين شحنوا أذهان الصوفية وأغبياء الرَّوافض، شحنوهم بهذه العقائد الخبيثة، وقالوا: إنها هي أفضل ما جاء به الإسلام !ـ قاتلهم الله أنى يؤفكون ـ.

الشاهد أنَّ قضايا الدَّعاء والذبح والنذر والاستغاثة من أعظم ما نُكِبَ به المسلمون، وكاد لهم أعداء الله هذه المكائد، وزيَّنُوا لهم هذا الكفر وجعلوه من أعظم القُرُبات، ومن أعظم أسباب كشف الكروب والنَّجاة في الدنيا والآخرة ، يقول قائلهم :

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به

 

 

سواك عند حلول الحادث العمم

     

معناه أنه نسي الله I!

فإنَّ من جودك الدنيا وضرتها

 

 

ومن علومك علم اللوح والقلم ع

إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي

 

 

وإلا فقـل: يا زلَّـة القــدم

     

نسي الله ـ تبارك وتعالى ـ وأَسند إلى رسول الله r خصائص ربِّ العالمين.

فلا يُنجي من الكروب في الدُّنيا والآخرة إلاَّ الله، ولا يعلم الغيب إلاَّ الله، والرَّسول r لا يعلم الغيب ولا يدَّعي ذلك؛ فإذا شاء الله أن يعلِّمه شيئًا من الغيب علَّمه إياه، وبلَّغه هذا الرَّسولr لأمته ؛ فالجنَّة والنار والصِّراط والبعث غيوب؛ فإذا علمها المسلم هل يجوز له أن يدَّعي أنَّه يعلم الغيب؟! حاشا وكلاَّ؛ ولهذا يقول الله U لرسوله r :﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف : 188] وقال I:﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾[الجن : 21]

فقوله I :﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً﴾: هذا صدق أو ليس بصدق؟ نعم هو صدق و الشك في صدقه كفر، فالله U لقَّنَه هذا، وهو في القرآن يقرؤه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، لماذا يقرؤونه؟ ليعملوا ويعتقدوا بما تضمنه، أو أنَّ كلَّّ واحد يتلاعب بدين الله ويتديَّن كما يريد؟! هذه حقيقة لا بدَّ من الإيمان بها، ولو كانت في شخص الرَّسول الكريم عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم أكرمِ الخلق وأفضلِهم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا؛ كما أخبر الله U، ومن يقول غير هذا فقد عاند القرآن وكذَّب الله ورسوله r ولو ادَّعى لنفسه ما ادَّعى فإنه مُكَذِّب معاند ـ نعوذ بالله من ذلك ـ

وقوله I : ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ أي: لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، ولدفع عن نفسه الشر، لكنَّه لا يعلم من الغيب عليه الصَّلاة والسَّلام إلاَّ ما علَّمه الله U كما قال Y: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ` إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ` لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً `﴾ [الجن : 26-28]؛ فهو I عالم الغيب، ويوحي إلى أنبيائه بهذه الرِّسالات، ويحفظها لهم، ويحميها من دسِّ الشياطين حتى يبلِّغوها، وهو وحده عالم الغيب، وهو الذي أحصى كلَّ شيءٍ عدداً، وليس للرُّسل ولا لغيرهم من ذلك شيئٌ؛ لأنَّ هذا من خصائص الرُّبوبية والألوهية ولا تتعدَّى إلى الرّسل ولا إلى الملائكة ولا إلى الصالحين ولا إلى أحد من الخلق، فخصائصه I هي التي استحق بها أن يكون سيِّد هذا الكون؛ فلزم أن يُخصَّ بالعبادة وحده ولا يُشرك به أحد في ذَرَّة من هذه العبادة؛ فلنخلص لله العبادة ولنخلص لله الدُّعاء، ولنخلص لله النُّذور وسائر التقربات كما قال Y : ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي﴾ يعني ذبحي ﴿وَمَحْيَايَ﴾ حياتي كلّها ﴿وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ` لاَ شَرِيكَ لَهُ﴾ في شيء من ذلك من هذه المذكورات، كلّها لله وحده لا شريك له، لا من الملائكة ولا من الأنبياء عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم .

هذا الذي جاء به الأنبياء عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم، وجاء أعداءُ الله من اليهود والنَّصارى والزنادقة والوثنيون بخلاف هذا، جاؤوا بما يناقض ويصادم هذه الإخبارات الصَّادقة من ربِّ العالمين وهذه الحقائق العظيمة التي تتفطر السَّموات والأرض وتخر الجبال هدًا من مناقضتها، فيدَّعون لله الولد ويدَّعون لله البنات؛ فيقول الله U: ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً `تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً `أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً ` وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً` إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً `لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً `وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً `[مريم: 89-94]، فالنصارى يعبدون عيسى u ويقولون هو ابن الله، لماذا؟ ليبرِّروا عبادتهم لغير الله Y والذين يعبدون الملائكة يقولون: هم بنات الله ليبرِّروا عبادتهم لغير الله كذلك.

﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً `تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ` أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً `﴾ والله يهتز الكون ويضطرب من شدَّة وطء هذا الكفر وهذا الضَّلال وكل أنواع الشرك، لا يحتمله هذا الكون على عظمته من سموات وأراضين وجبال وبحار .. وكلِّ من يعبد الله بحق لا يحتمل هذا والملائكة وغيرها من مخلوقات لله U من المؤمنين، واللهِ لا يحتملون هذا ولا يطيقونه أبدًا قال الله I ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ﴾ [الحج : 18]، هؤلاء أي المشركون أهانهم الله وأذلهم الله وأخزاهم ـ والعياذ بالله ـ؛ ولهذا يقول الله U ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف : 5]، فلو وقف النَّاس جميعًا أو واحد يدعوا الأنبياء والملائكة ليل نهار والله لا يسمعون نداءَه، ولا يملكون إجابته ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر : 13]، الخبير الله هو U وهو الذي أعلمنا أنَّ غيره لا يملك قطميرًا من هذا الكون، الكون هذا كلُّه ملك الله؛ السَّموات والأرضين والجبال والبحار والملائكة والجن والإنس والحشرات والدواب كلُّها مملوكةٌ لله وحده لاشريك له، هو الذي انفرد بإيجادها، وانفرد برزقها، وهو الذي أمدَّها بالحياة، وهو الذي يحيي ويميت I، ولا يشركه أحد في ذَرَّة من كل هذه الأشياء، ولو كان من أفضل الخلق ما شركه في أتفه الأشياء، هذا الكون العريض الواسع الذي لا يعلم مداه إلا الله I واللهِ لا يشركه أحد في مثقال ذَرَّة ولا في فتيل ولا في قطمير...، هذه الحقائق جاء بها القرآن الذي أوحاه الله إلى محمد r؛ ليدين بها المؤمنون، وتستقرَّ هذه الحقائق في نفوسهم، لا يشكُّون في شيء من ذلك، بل يوقنون غاية اليقين بها، فاعرفوا هذا من القرآن وخذوه منه وبلِّغوه للنَّاس فقد قال رسول الله:r « لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم»[5].

واللهِ لقد جَنَت الفِرَق الضَّالة على الإسلام جنايةً لا نظير لها؛ ولهذا قال العلماء الفحول: <إنَّ أهل البدع أضر على الإسلام من اليهود والنَّصارى> [6]؛لأنَّ اليهود والنصارى مكشوفون، لو جاء اليهودي ببعض الكلام الذي فيه الصِّدق أمكن ألا يُقبل منه؛ لكن هذا الدَّجال يأتيك بالطوام يأتيك بالكفر والشِّرك والضَّلال تصدِّقه؛ لأنَّه يأتيك بجبة وهيئة وعمامة، ويهلِّل ويسبِّح، ويعطيك السُّموم فتقبل منه السُّموم والبلايا والضَّلال! ولهذا ترى هذه القبور منتشرةً في العالَم الإسلامي، فتُشَاد في بعض البلدان مدنٌ من القبور، فتُشَدُّ إليها الرِّحال وتُسَاق إليها الذبائح والنُّذور، وتَرى الأبقار والأغنام يسوقونها هناك، فهذا البدوي بمصر يجتمع إليه ملايين من النّاس، ففي سنة من السَّنوات اجتمع عليه ثلاث ملايين! أكثر من اجتماع المسلمين في عرفات! هذا البدوي الذي يقولون عنه أنه كان من جواسيس الباطنية! جعلوه معبودًا يعبده كثير من أهل مصر وغيرهم، ـ أهل مصر فيهم موحودُّون والحمد لله ـ ، يعبدونه، ويشدُّون إليه الرِّحال، ويقرِّبون له القرابين، وقل مثل ذلك في العرَّاق، وقل مثل ذلك في إيران، وقل مثل ذلك في باكستان، وقل مثل ذلك في السُّودان، والمغرب العربي والجزائر، وغيرها من البلدان، جاء بهذا أهل الضَّلال ولا سيما الصوفية الذين خدعوا المسلمين، وأوقعوا كثيرًا منهم في حبائل الشِّرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ، فإن قام أحدٌ يدعو إلى توحيد الله الخالص حاربوه، ووصفوه بأنَّه عدوٌ لرسول الله عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم

Partager cet article
Repost0
15 août 2008 5 15 /08 /août /2008 19:52

فالواجب على علماء السنة التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والرفق فيما بينهم، والحرص على إزالة أسباب الفرقة والاختلاف، والتفاهم في الأخطاء والغلط، كل واحد يخطئ لا بد من التفاهم بين الجميع بالمكاتبة أو بالاجتماع أو بالهاتف، حتى تزول الفرقة حتى تزول الوحشة، وحتى يجتمع الجميع على الحق والدعوة إليه، في مساجدهم وفي بيوتهم، وفي مجتمعاتهم، فالواجب التعاون على البر والتقوى، والتناسي عما قد يقع من زلة وهفوة، من ذا الذي يسلم، المهم أن تكون الدعوة سلفية، على طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأتباعهم بإحسان، معتمداً على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام لا على الأهواء ولكن على كتاب الله وسنة رسوله ولا على التقليد لفلان وفلان، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[52]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[53]، هذا هو الواجب على الجميع، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر))[54]، فالداعي إلى الله والعالم الموجه إلى الخير، إذا أخطأ له أجر الاجتهاد، وإذا أصاب له أجران، ما دام على الطريقة السلفية، طريقة أهل السنة، مادام موحدا قاصدا للخير، فقد يغلط فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، المهم أن تكون أصوله مستقيمة، وأن يكون على الطريق السوي على طريق سلف الأمة، تابعاً لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأئمة الإسلام، يريد تفهيم الناس الخير، يريد توجههم إلى طاعة الله ورسوله، يريد كفهم عن محارم الله، يريد كفهم عن البدع التي انتشرت بين الناس، وليس بشرط أن يكون معصوماً، العصمة للرسل فيما يبلغون عن الله، لكن يجتهد ويحرص على طلب الحق بالأدلة الشرعية، ومن صدق في ذلك وأخلص لله، وفقه الله وأعانه، فمن علم الله من قلبه الصدق والإخلاص، وأنه يريد الحق فالله سبحانه يعينه ويسدده، فالواجب على كل داعية وعلى كل عالم أن يخلص لله وأن يكون هدفه الحق، قصده الحق، قصده توجيه الناس إلى الخير، ليس له قصد آخر من رياء أو سمعة أو طلب حمد الناس، أو غير هذا، إنما يقصد بدعوته إلى الله، وتعليم الناس، يقصد وجه الله، يقصد إخراجهم من الظلمات إلى النور، يريد إخراجهم من أسباب الهلاك، إلى أسباب السعادة، يريد إبلاغ رسالة الله ودعوة الله، فمن صدق مع الله وأخلص لله وفقه الله، وأعانه وبارك في جهوده وهدى به الأمة، وجعل له لسان صدق في العالمين بسبب صدقه وإخلاصه، فأوصيكم أيها الأخوة مرة أخرى، أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالتعاون على البر والتقوى، وأوصيكم بطيب الكلام، والحرص على طيب الكلام، على الأسلوب الحسن، وعلى الرفق في الدعوة وحسن الظن بإخوانكم أهل السنة وعدم نشر ما يشوه سمعتهم، من أغلاط بل عالجوها بالطرق القيمة بالمحادثة بينكم بالاتصال الهاتفي، بالزيارة بالمكاتبة الطيبة حتى تزول الوحشة وحتى يتضح الحق وحتى يزول الخطأ، والهدف هو طاعة الله ورسوله، الهدف هو الدعوة إلى سبيل الله، الهدف هو هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ[55] وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[56]، وقوله سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين[57] والله المسئول بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، ومن أنصار الحق، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والثبات عليه وأن يعيذنا جميعا وسائر إخواننا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأن يفقههم في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، ونوصيكم أيضاً بنصيحة ولاة الأمور في كل مكان بتقوى الله وطاعة الله وتحكيم شريعة الله، وأوصي نفسي وجميع العلماء والدعاة، أوصيكم بأن يوصوا أمراء المسلمين، وحكام المسلمين بالنصائح الشفهية، والنصائح الكتابية بتحكيم شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل قانون يخالفها.

فالواجب على جميع ولاة أمر المسلمين أن يحكموا شرع الله، وأن يقيموا دين الله في بلادهم، وبين شعوبهم كما قال الله عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[58] وقال جل وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[59] وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[60] وقال سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[61] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[62]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[63] فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ورآه جائزاً أو حسناً، أو أحسن من حكم الله فهو كافر عند جميع المسلمين مرتد عن الإسلام، أما من حكم بغير ما أنزل الله؛ لشهوة أو رشوة أو أسباب أخرى، وهو يعلم أنه مخطئ أنه غلطان فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة، كما قال ابن عباس وغيره في جمع من التابعين وغيرهم، كما هو قول جمهور أهل العلم، المقصود أن هذا فيه التفصيل. فالواجب على جميع أمراء المسلمين، وعلى علماء المسلمين التعاون في هذا الأمر، الواجب تحكيم شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل ما يخالفها وأن يوصى الناس بذلك، وأن يلزموا بذلك، هذا هو الواجب على جميع أمراء المسلمين، والواجب على جميع علماء المسلمين أن ينصحوهم، وأن يوجهوهم إلى الخير، وأن يقوم الأمراء بتحكيم شريعة الله، ومنع ما يخالف شريعة الله في جميع الأحوال في الدعاوى والخصومات المالية، وفي النكاح والطلاق، وفي جميع شؤون المسلمين، في البيع والشراء وفي كل شيء، يجب تحكيم شرع الله في كل شيء، في العبادات والمعاملات والمنازعات، والخصومات وفي النكاح والطلاق، وفي كل شيء يجب أن ينفذ حكم الله في كل شيء؛ لأن الله يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[64] ويقول: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[65]، هذا هو الواجب على جميع المسلمين، وعلى حكامهم وأمرائهم وعلى علمائهم عليهم التعاون في هذا والتواصي بهذا أين ما كانوا.

نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين، وأمراء المسلمين في كل مكان، ونسأل الله أن يوفقهم لما يرضيه، وأن يمنحهم الهداية والفقه في الدين وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في كل شيء وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق جميع المسلمين لقبول الحق، وإيثاره والرضا به على ما سواه إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


[1] محاضرة ألقاها سماحته في إحدى الجمعيات الخيرية بدولة الكويت عبر الهاتف في تاريخ 10/10/1416هـ.

[2] سورة الذاريات الآية 56 -58.

[3]سورة النحل الآية 36.

[4]سورة الأنبياء الآية 25.

[5]سورة النجم الآية 23.

[6]سورة البقرة الآية 189.

       [7سورة الانفطار الآية 13.

[8] سورة المطففين الآية 18.

[9] سورة النساء الآية 131.

[10] سورة النساء الآية 1.

[11] سورة الحج الآية 1.

[12] سورة آل عمران الآية 102.

[13] سورة آل عمران الآية 19.

[14] سورة النساء الآية 136.

[15] سورة الأنفال الآية 2.

[16] سورة التوبة الآية 71.

[17] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها.

[18] سورة النجم الآية 23.

[19] سورة الانفطار الآية 13.

[20] سورة البقرة الآية 189.

[21] سورة البقرة الآية 177.

[22] سورة النحل الآية 36.

[23] سورة الزمر الآية 65.

[24] سورة النساء الآية 48.

[25] سورة الأنعام الآية 88.

[26] سورة لقمان الآية 13.

[27] سورة التوبة الآية 17.

[28] سورة البقرة الآية 21.

[29] سورة الذاريات الآية 56.

[30] سورة الإسراء الآية 23.

[31] سورة الفاتحة الآية 5.

[32] سورة النحل الآية 36.

[33] سورة النحل الآية 127.

[34] سورة الأنفال الآية 46.

[35] سورة لقمان الآية 17.

[36] سورة الزمر الآية 10.

[37] سورة الأحقاف الآية 35.

Partager cet article
Repost0
15 août 2008 5 15 /08 /août /2008 19:43
لا سبيل إلى معرفة العبادة إلا بالدعوة إلى الله تعالى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بذلك، ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بالدعوة إلى الله والتعليم والتوجيه والإرشاد، حتى يفهم المكلف هذه العبادة، التي خلق لها، يقول الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[2] ويقول سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[3] ويقول عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[4]

فهو سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، من جن وإنس وهذه العبادة هي دين الإسلام، هي توحيد الله، هي طاعته واتباع أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه العبادة التي خلق الناس لها: جنهم وإنسهم، عرباً وعجماً، خلقوا ليعبدوا الله بتوحيده، والإخلاص له وتوجيه القلوب إليه، خوفاً ورجاء ومحبة وتعظيماً وإخلاصاً، مع أداء ما أوجب وترك ما حرم، مع العناية بكل ما شرع الله، والحذر من كل ما نهى الله عنه، مع الوقوف عند حدود الله، هذه هي العبادة وهذا هو دين الإسلام، وهذا هو الإيمان وهذا هو الهدى، الذي قال الله فيه جل وعلا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى[5] وهو البر، كما قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى[6، وقال: إِِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[7]، وقال سبحانه: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ[8]، وهو التقوى كما قال جل وعلا: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[9]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[10]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ[11]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[12]، فالعبادة التي خلقنا لها هي توحيد الله، هي تقوى الله، هي الإيمان بالله ورسله، هي البر والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي الاستقامة على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، هذه العبادة، سماها الله إيماناً وسماها إسلاماً: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[13]، وسماها إيماناً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ[14]، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[15]، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[16] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة))، وفي اللفظ الآخر: ((بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)[17]، فسمى دينه إيماناً وسماه إسلاماً، وسماه تقوى، وسماه هدى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى[18]، وسماها براً: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نعيم  [19]، وقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى[20] وقال سبحانه: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ الآية، ثم قال في آخرها: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[21] هذا دين الله، فالواجب على الدعاة إلى الله جميعاً، أن يوضحوا للناس هذه العقيدة، وأن يشرحوا لهم العبادة التي خلقوا لها، وأنها توحيد الله وطاعته واتباع شريعته، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه العبادة التي خلقوا لها، فيجب أن يعلموها، وأن توضح لهم، والناس في أشد الحاجة، في أشد الضرورة، أن يعرفوا هذه العبادة التي خلقوا لها، وفضل الدعوة عظيم، هي طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنهج الرسل، فيكفي شرفاً للداعي أن يكون نهج منهج الرسل، وسار في طريقهم، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[22] وسيدهم وإمامهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الدعاة، وخير الدعاة عليه الصلاة والسلام، بعثه الله إلى الناس كافة إلى الجن والإنس، يدعوهم إلى الله يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته، يدعوهم إلى أداء فرائض الله، وترك محارم الله، يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله، يدعوهم إلى الوقوف عند حدود الله، هذه دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، أن يلتزم المؤمن في توحيد الله وطاعته، وأن يحذر الشرك به ومعصيته: سواء كان ذكراً أو أنثى، جنياً أو إنسياً عربياً أو عجمياً، الواجب عليه أن يتقي الله بالإخلاص له، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وترك ما نهى عنه من الشرك وما دونه، قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِي[23]وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[24] وقال جل وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[25]، وقال سبحانه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[26]، وقال سبحانه: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ[27].

فالواجب على جميع الدعاة، أن يوضحوا للناس هذا الأمر، وأن يعتنوا به غاية العناية؛ لأن العباد في أشد الضرورة إلى ذلك، سواء كانوا عرباً أو عجماً، ذكوراً أو إناثاً جناً أو إنساً، كلهم في أشد الحاجة، بل أشد الضرورة إلى أن يعرفوا العبادة، التي خلقوا لها يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[28]، وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[29] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[30]، ويقول جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[31] فيجب أن توضح هذه العبادة، ما معنى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، ما معنى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ما معنى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت[32]، الإمام يعلم جماعته في المسجد، المدرس يعلم الطلبة، والرجل يعلم أهل بيته، الداعي إلى الله في كل مكان يعلم الناس بالمذياع من طريق الشريط، أو من طريق التلفاز من جميع الطرق ممكن، يعلم إخوانه المسلمين ذكورهم وإناثهم، جنهم وإنسهم يعلمهم هذه العبادة، يوضح لهم حقيقتها ويدعوهم إلى الالتزام بها، والإخلاص لله في كل أعمالهم، والحذر من الشرك دقيقه وجليله، صغيره وكبيره ويحثهم على ترك ما نهى الله عنه من سائر المعاصي كالزنا، والسرقة والظلم والعقوق للوالدين، أو أحدهما وقطيعة الرحم والربا، وقذف المحصنات الغافلات وأكل مال اليتامى والغيبة والنميمة، إلى غير هذا مما نهى الله عنه، هذا هو واجب المسلمين هذا هو واجب العلماء، وهم خلفاء الرسل، فالواجب عليهم أن يتأسوا بالرسل في الدعوة إلى الله، وأن يصبروا على ذلك، كما قال جل وعلا: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّه[33]، وقال جل وعلا: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[34]، وقال جل وعلا في سورة لقمان يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ[35]، وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[36]، وقال سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ[37]. فعلى العلماء أينما كانوا في كل مكان أن يصبروا على الدعوة إلى الله لشدة حاجة الناس إلى ذلك، العلماء هم خلفاء الرسل، هم الدعاة إلى الله، هم الهداة إلى الدين، ذكوراً أو إناثاً، عرباً أو عجماً جناً أو إنساً، يجب أن يعلموا الناس يجب أن يصبروا وأن يوضحوا للناس حقيقة العبادة بالأدلة الشرعية؛ لأن الكثير من الناس لا يفهمها ولا يعرف حقيقة الدين، ولهذا تعلقوا بالقبور فعبدوا الموتى واستغاثوا بهم، ونذروا لهم يظنون أن هذا هو الدين، وأن هذا شرع الله، وأنه يحبه سبحانه؛ لجهلهم وضلالهم، وعدم بصيرتهم. فالواجب على أهل العلم أن ينبهوهم ويوضِّحوا لهم، وأن التعلق بالأموات أو الاستغاثة بالأموات، أو النذر للأموات أو للأصنام والجن ونحو ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا هو دين المشركين، هذا هو دين عبَّاد الأوثان، التعلق على الأموات، والاستغاثة بهم أو النذر لهم، أو الذبح لهم أو خوفهم ورجاؤهم أو نحو ذلك، هذا هو دين المشركين، قال الله عنهم سبحانه أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[38] وقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[39] فيستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم ويخافونهم، ويرجونهم؛ لأنهم بزعمهم يشفعون لهم عند الله، ويقربون من الله، ما قالوا إنهم يخلقون ويرزقون، يعلمون أن الله هو الخلاق الرزاق، قريش وغيرها من المشركين يعرفون أن الله هو الخلاق الرزاق، المحيي المميت المدبر، لكنهم عبدوا ما عبدوا وغيرهم من الأنبياء والصالحين، والجن وغير ذلك عبدوهم ليقربوهم من الله، وليشفعوا لهم، كما قال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، قال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[40]، يعني يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ[41]، سماهم كفرة كذبة، كذبة في قولهم إنهم يقربونهم من الله زلفى، وسماهم كفرة بشركهم بالله، وبعبادتهم للأصنام والأوثان، وتعلقهم عليهم، والله سبحانه يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[42] وقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئ[43] ويقول سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[44]، فالعبادة حق الله وحده، ليس لأحد فيها نصيب لا الرسل ولا غيرهم، والدعوة إلى الله هي دين الرسل هي منهج الرسل وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[45]، ويقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[46] وقد بعثهم الله عليهم الصلاة والسلام للناس من أولهم نوح إلى آخرهم محمد، يدعون الناس إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، وقبل ذلك أبونا آدم أرسله الله إلى ذريته، يدعوهم ويعلمهم ويرشدهم عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس: كان الناس على الإسلام عشرة قرون، قبل مبعث نوح عليه السلام، ما وقع الشرك إلا في قوم نوح، فما وقع الشرك في قوم نوح، بسبب الغلو في ود وسواع، ويغوث، ويعوق ونسر وأشباههم وعبدوهم وتعلقوا عليهم، أرسل الله نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله، وترك الشرك بالله في ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وغيرهم فاستمروا في طغيانهم وكفرهم وضلالهم، وهو يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك لم يؤمن به إلا قليل، وأصروا واستكبروا واستمروا في كفرهم، وضلالهم حتى أمر الله نوحاً فصنع السفينة وركب من أراد الله نجاته، ثم قال جل وعلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ[47]، لم ينج إلا أصحاب السفينة، والبقية هلكوا بشركهم وكفرهم، بسبب الغرق: الماء من تحتهم ومن فوقهم، ثم بعث الله بعده هوداً، ثم صالحاً وشعيباً ولوطاً وإبراهيم وهكذا تتابع الأنبياء كلهم، يدعون الناس إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، ويحذرون الناس من الشرك بالله، فأصاب قومهم ما أصابهم، من أنواع العقوبات، فأصاب الله عاداً بالريح العقيم، وثمود بالصيحة والرجفة وقوم لوط بالخسف والعياذ بالله، وقوم شعيب بالرجفة والصيحة وغير ذلك مما أصاب أعداء الله، فالواجب على الدعاة إلى الله، أن يعظموا هذا الأمر وأن يحققوا الدعوة إلى الله بكل ما يستطيعون، وأن يتأسوا بالرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك، قال الله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[48] وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[49]، فالواجب اتباع الرسل في هذا الأمر العظيم، وفي غيره والصبر على ذلك والحذر من العنف والشدة، التي قد تنفر الناس، فالداعي إلى الله يتحرى الأسلوب الحسن، والعبارات الواضحة، ويحذر من العنف والشدة؛ لأن ذلك ينفر ويغلق الباب على المدعو، فالواجب الرفق، وتحري الأسلوب الحسن، حتى ينشرح صدر المدعو ويقبل الحق إلا من ظلم، من ظلم له جزاء آخر، قال الله سبحانه وتعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[50]، فمن ظلم وقابل الداعي بالظلم، فحينئذ له جواب آخر، لكن الداعي يتحرى الأسلوب الحسن، يتحرى الرفق ويحذر التعرض لأعراض العلماء وثلب العلماء، والتنفير منهم؛ لأن هذا يفرق ولا يجمع، يسبب الشحناء، فالواجب على الداعي إلى الله، أن يرغب الناس في العلم، في حضور دعوة علماء السنة، ويدعوهم إلى القبول منهم، ويحذر التنفير من أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والدعوة إلى الله عز وجل، وكل واحد له أخطاء، ما أحد يسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون))[51]، وهكذا قول العلماء، قال مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم. فكل عالم له أخطاء، فالواجب أن ينبه على أخطائه بالأسلوب الحسن، ولكن ما ينفر منه وهو من أهل السنة، بل يوجه إلى الخير، ويعلم الخير، وينصح بالرفق في دعوته إلى الله، عز وجل وينبه على خطئه، ويدعى الناس إلى أن يطلبوا منه العلم، ويتفقهوا عليه ما دام من أهل السنة والجماعة، فالخطأ لا يوجب التنفير منه، ولكن ينبه على الخطأ الذي وقع منه فكل إنسان له أخطاء، ولكن الاعتبار بما غلب عليه، وبما عرف عنه من العقيدة الطيبة، فالواجب على الدعاة إلى الله أن يتبصروا، وأن يرفقوا وأن لا يعجلوا من أمورهم، وأن يتحروا الحق وأن يحذروا التنفير من أهل العلم، وأن يحذروا أسباب الشحناء والعداوة، بل عليهم أن يحرصوا على كل أسباب الاجتماع بين أهل العلم وأهل السنة والجماعة في دعوتهم إلى الله وترغيبهم للناس في الخير، حتى يكثروا الدعاة إلى الله وحتى ينتشروا، وحتى يرغب الناس في الدعوة والأخذ عنهم فإذا سمعوا هذا ينفر من هذا وهذا ينفر من هذا ضاعت الدعوة، وساءت الظنون.

.

Partager cet article
Repost0
11 août 2008 1 11 /08 /août /2008 13:12

ربنا في السماء

ذكرت قصة في إحدى الإذاعات، تقول: إن ولدا سأل أباه عن الله فأجاب الأب بأن الله موجود في كل مكان. السؤال: ما الحكم الشرعي في مثل هذا الجواب؟ عبد الله م - الرياض

 

هذا الجواب باطل وهو من كلام أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهما، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه في السماء فوق العرش فوق جميع خلقه كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع سلف الأمة، كما قال عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[1] وكرر ذلك سبحانه في ست آيات أخرى من كتابه العظيم.
ومعنى الاستواء عند أهل السنة هو: العلو والارتفاع فوق العرش على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه، لا يعلم كيفيته سواه كما قال مالك رحمه الله لما سئل عن ذلك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، ومراده رحمه الله السؤال عن كيفيته.
هذا المعنى جاء عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو مروي عن أم سلمة رضي الله عنها، وهو قول جميع أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة الإسلام، وقد أخبر الله سبحانه في آيات أخر أنه في السماء وأنه في العلو، كما قال سبحانه:
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ[2] وقال عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[3] وقال سبحانه: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[4]، وقال عز وجل: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ[5] ففي هذه الآيات، وفي آيات كثيرة من كتاب الله الكريم صرح سبحانه أنه في السماء وأنه في العلو وذلك موافق لما دلت عليه آيات الاستواء.
وبذلك يعلم أن قول أهل البدع بأن الله سبحانه موجود في كل مكان من أبطل الباطل وهو مذهب الحلولية المبتدعة الضالة، بل هو كفر وضلال وتكذيب لله سبحانه وتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من كون ربه في السماء، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء))، وكما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج وغيرها. والله ولي التوفيق.

[1]سورة الأعراف الآية 54.
[2] سورة غافر الآية 12.
[3] سورة فاطر الآية 10.
[4] سورة البقرة الآية 255
[5]سورة الملك الآيتان 16 – 17
Partager cet article
Repost0